كنعان - خاص
منذ إصدار المحكمة الجنائية الدولية مذكرتي اعتقال بحق رئيس وزراء حكومة الاحتلال "الإسرائيلي" نتنياهو ووزير حربه غالانت، بتهمة ارتكاب "جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية" في غزة في 21 نوفمبر/تشرين الثاني، والعالم بأسره يعيش صدى هذا القرار الجريء.
هذا القرار يُعدّ سابقة تاريخية؛ إذ تُحاكم للمرة الأولى محاكم غربية مجرمي الحرب "الإسرائيليين"، مما يضع الدول الغربية الراعية للقانون الدولي أمام اختبارٍ حقيقي حول جدوى وجود تلك المحاكم في ملاحقة مجرمي الحرب "الإسرائيليين". هل ستثبت أنها قادرة على تطبيق العدالة، أم أن المنظومة الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان صُمّمت لتكون مجرد مبادئ معلقة في الهواء، تُطبق فقط حيث تتفق مع مصالح الأقوى؟
إن جرائم الاحتلال "الإسرائيلي" في غزة والضفة ولبنان تعيد طرح التساؤل الفلسفي التقليدي حول ما إذا كانت مبادئ القانون الدولي تعبّر عن "قانون القوة" أم عن "قوة القانون".
خطوة مهمة يمكن البناء عليها
بدوره، اعتبر الكاتب والمحامي الكويتي د. عبد العزيز القطان أن إصدار المحكمة الجنائية الدولية مذكرة اعتقال ضد رئيس حكومة الاحتلال الصهيوني نتنياهو ووزير حربه المعزول غالانت يمثل انتصارًا لعدالة الشعب الفلسطيني، الذي يتعرض منذ أكثر من عامٍ لحرب إبادة، وانتصارًا للعدالة وحقوق الإنسان في العالم أجمع.
وقال القطان لـ"كنعان الإخبارية": "قرار المحكمة الجنائية الدولية يُعدّ سابقة تاريخية؛ إذ تُدان حكومة الاحتلال الصهيوني التي ترتكب منذ احتلالها لفلسطين عشرات، بل مئات الآلاف من الجرائم بحق فلسطين والشعوب العربية. هذا القرار هو الخطوة الأولى نحو محاسبة المسؤولين عن قتل مئات الآلاف وتدمير مئات الآلاف من المنازل السكنية وتجريف مئات الآلاف من الدونمات الزراعية للشعب الفلسطيني. إنه تأكيد على أن الإفلات من العقاب لا يمكن أن يستمر إلى الأبد".
وأكمل قوله: "القرار يُعدّ بارقة أمل جديدة، بعد مرور أكثر من عام على جريمة الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل في قطاع غزة، ليكون بمثابة تذكير قوي بأن السعي لتحقيق العدالة لشعبنا الفلسطيني، مهما طال الزمن، لن يذهب سدى أبداً".
وأكد المحامي الكويتي أن "ما جرى يشكل نقلة نوعية نحو مواجهة جرائم النظام الغربي من بوابة الإبادة والتجويع الصهيوني للفلسطيني في غزة. زمن الإفلات من العقاب لم يعد ممكنًا كما كان في السابق، وتعطيل مجلس الأمن الدولي لن يحمي المجرمين من المساءلة. زمن العقاب سياسيًا وقانونيًا قد بدأ".
وأشار القطان إلى أن موقف أمريكا المعارض لقرار محكمة الجنايات الدولية طبيعي جدًا؛ فهي تعتبر نتنياهو وغالانت رأس الحربة في العدوان على غزة ولبنان. وأكد أن أمريكا تمد إسرائيل بالمال والسلاح وتعتبرها إحدى ولاياتها، كما أنها استخدمت الفيتو مرارًا لمنع تنفيذ قرار وقف إطلاق النار على غزة، وتوفر لها الحماية السياسية وغيرها.
ودعا المحامي الكويتي الدول العربية والإسلامية إلى الاصطفاف لتحقيق العدالة الدولية بمحاكمة مجرمي الحرب الصهاينة، عبر طلب تنفيذ القرار الإنساني من جميع الدول، بما فيها أمريكا، من خلال التلويح بلغة المصالح بدلاً من المبادئ التي لا تتمتع بها الغالبية العظمى من تلك الدول.
سابقة لم تحدث من قبل
اعتبر مدير مكتب الميادين في فلسطين، الإعلامي ناصر اللحام، أن قرار المحكمة الجنائية الدولية بملاحقة رئيس وزراء حكومة الاحتلال "الإسرائيلي" بنيامين نتنياهو ووزير حربه السابق غالانت يُعدّ سابقة لم تحدث من قبل عبر التاريخ.
وقال اللحام: "لأول مرة في التاريخ، يتخذ الغرب قرارًا بهذا الشكل ضد إسرائيل، التي تُعدّ صنيعة الغرب وحامية مشروعه الاستعماري".
وأشار إلى أن الإعلام "الإسرائيلي" بدا مستغربًا من القرار، حيث علّق التلفزيون "الإسرائيلي" قائلاً إن "محكمة الجنائية الدولية أُنشئت لمحاكمة مجرمي أفريقيا والدول العربية في الشرق الأوسط وصربيا، وليس لتحاكم الغرب وقادة الغرب".
ودعا اللحام إلى استثمار هذه الفرصة بالضغط على تنفيذ قرار المحكمة، باستخدام كافة الأدوات المتاحة لوقف العدوان المستمر على قطاع غزة.
وحدة الصف وصرخة الأحرار
ختامًا، لا يمكن التعويل على المؤسسات الدولية الرسمية وآليات العدالة الجنائية الدولية في ردع جرائم الاحتلال المتكررة في ظل الهيمنة الأمريكية وسيطرة اللوبي الصهيوني على مراكز صنع القرار في الغرب. لكن ذلك ليس حكمًا حتميًا؛ فقد يُشكل الرأي العام العالمي، الذي خرج في مظاهرات حاشدة في كبرى العواصم الغربية مستنكرًا هذه الجرائم، عنصر القوة المفقود القادر على فرض تطبيق مبادئ القانون الإنساني. كما أن الموقف العربي والإسلامي الرسمي، بما يملكه من مقومات مؤثرة، يمكن أن يُغيّر المعادلة لصالح الانتصار لشعبنا الفلسطيني، الذي يتعرض على مدار الساعة لحرب إبادة.