كنعان - خاص
استقبل سكان قطاع غزة لحظة الإعلان عن وقف إطلاق النار بين المقاومة الفلسطينية والاحتلال "الإسرائيلي" برعاية قطرية ومصرية وأمريكية بمشاعر من الفرح الممزوجة بالحزن والأسى، نتيجة لما خلفته حرب الإبادة "الإسرائيلية" من قتلٍ ودمارٍ طال كل مقومات الحياة.
بعد خمسة عشر شهراً من انتظار هذه اللحظة المأمولة، التي تأخرت بسبب استمرار الحرب التي طالت المدنيين وبيوتهم والبنية التحتية والمرافق الصحية والتعليمية والأراضي الزراعية، أصبح الغزّيون على موعد مع لحظة انتهاء الحرب. فكانت تلك اللحظة فرصة للعودة إلى مناطق سكناهم التي هجّروا منها تحت القصف والقتل، ليكتشفوا حجم الدمار الذي حل بهم، ويبدأوا في إصلاح ما يمكن إصلاحه لمواصلة حياتهم. وفي هذا السياق، أكد العديد من المواطنين الذين التقت بهم "كنعان الإخبارية" أن التحديات ما زالت مستمرة ولكنهم مصممون على المضي قدماً.
في صباح اليوم الأول بعد الإعلان عن التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار، بدت غزة أكثر إشراقاً وتفاؤلاً. تبادل السكان التهاني والضحكات، التي كانت غائبة طوال فترة الحرب، معربين عن أملهم في أن تحمل الأيام القادمة الأمن والأمان، ويعود لهم ما فقدوه من مقومات الحياة من مأكل ومشرب، بعد أن خضعوا لسياسة التجويع والتدمير التي مارسها الاحتلال "الإسرائيلي" طوال خمسة عشر شهراً.
الإعلامي محمد منصور عبّر عن فرحته بانتهاء حرب الإبادة قائلاً بصوتٍ يملؤه الحزن والأسى: "انتظر اللحظة التي أخلع فيها سترة الصحافة ليستريح جسدي من عناء خمسة عشر شهراً، عشنا خلالها بين تصوير لقاءات أشلاء الشهداء والبيوت المدمرة وصرخات الثكالى".
وأضاف منصور: "عشت عامًا قاسيًا فقدت فيه العديد من الأهل والزملاء والأحباب، وحملت في ذاكرتي مشاهد مؤلمة ستظل عالقة في ذهني ما دمت حيًا".
أما المواطنة أم أحمد القاضي، نازحة من رفح إلى خان يونس، فلم تخفِ فرحتها المنقوصة بالإعلان عن وقف إطلاق النار، قائلة: "وقف إطلاق النار نعمة نحمد الله عليها، لكن الحسرة ستظل تسكن قلبي على فقدان الكثير من أهلي وجيراني وبيتي الذي عشت فيه أجمل سنوات عمري".
وأكدت أم أحمد رغبتها العميقة في العودة إلى بيتها، حتى وإن كان فوق أطلاله المدمرة.
أما المواطن درداح أبو عجوة، من سكان غزة ونازح في محافظة خان يونس، فأكد أن إعلان وقف إطلاق النار هو فرحة غير منقوصة، حيث ستكتمل تلك الفرحة عند العودة إلى البيوت ولقاء الأهل الذين غابوا عنهم لمدة خمسة عشر شهراً.
وقال أبو عجوة: "خمسة عشر شهراً، كنا كل لحظة فيها نرى فيها الموت ونتذوق مرارة البعد عن الأهل. نسأل الله أن يرحم من فقدناهم وأن يعوضنا بما فقدناه ويعوضنا خير العوض"، مشيرًا إلى أن غزة تستحق الحياة الكريمة، وأن العالم العربي والإسلامي يجب أن يشعروا بالمسؤولية تجاهنا، ويعينونا في المرحلة القادمة التي ستكون أصعب من الحرب.
أما أم حسام النجار، فعبرت عن فرحتها بوقف إطلاق النار قائلة: "عشنا خمسة عشر شهراً في خيام لا تقي حرَّ الشمس ولا برد الشتاء القارس، تجرعنا مرارة الجوع والعطش. كانت حياتنا في الخيام قاسية جدًا ولا يمكن وصفها. كل لحظة عشناها في خيام النزوح من غزة إلى دير البلح، ثم إلى خان يونس، كانت مليئة بالمعاناة. لا حياة للإنسان إلا في بيته".
إعلان وقف إطلاق النار:
أعلنت مصر وقطر والولايات المتحدة الأمريكية مساء أمس، عن توصل المقاومة الفلسطينية والاحتلال "الإسرائيلي" إلى اتفاق لتبادل الأسرى والمحتجزين، والعودة إلى الهدوء المستدام بما يحقق وقفاً دائماً لإطلاق النار بين الطرفين، بعد أكثر من 15 شهراً من حرب مدمرة خلّفت عشرات الآلاف من الشهداء ودمارًا واسعًا وكارثة إنسانية.
وقال رئيس الوزراء القطري في مؤتمر صحافي: "يسرّ دولة قطر وجمهورية مصر العربية والولايات المتحدة الأمريكية الإعلان عن نجاح جهود الوساطة المشتركة، التي أسفرت عن وصول طرفي النزاع في قطاع غزة وإسرائيل إلى اتفاق بشأن تبادل الأسرى والرهائن، والعودة إلى الهدوء المستدام، وصولاً إلى وقف دائم لإطلاق النار بين الجانبين".
وأوضح أن "حسب الاتفاق، ستطلق المقاومة في المرحلة الأولى سراح 33 أسيرًا إسرائيليًا، يشمل النساء المدنيات، المجندات، وكبار السن والمرضى والجرحى المدنيين، مقابل عدد من الأسرى الفلسطينيين من الأطفال والنساء وكبار السن في السجون الإسرائيلية ومراكز الاعتقال".
وأضاف أن المرحلة الأولى، التي تمتد 42 يومًا، تشمل "وقفًا مؤقتًا للعمليات العسكرية، مع انسحاب القوات الإسرائيلية شرقًا بعيدًا عن المناطق السكنية المكتظة، للتمركز على الحدود في مختلف مناطق قطاع غزة".
وتابع: "كما تتضمن المرحلة الأولى تبادل الأسرى والمحتجزين وفق آلية محددة، وتبادل رفات المتوفين، وعودة النازحين داخليًا إلى أماكن إقامتهم في القطاع، مع تسهيل خروج المرضى والجرحى لتلقي العلاج اللازم".
وأشار إلى أن الاتفاق يتضمن أيضًا تعزيز إدخال وتوزيع المساعدات الإنسانية بشكل آمن وفعّال على نطاق واسع في جميع أنحاء قطاع غزة، بالإضافة إلى إعادة تأهيل المستشفيات والمراكز الصحية والمخابز. كما تشمل إدخال مستلزمات الدفاع المدني، الوقود، ومستلزمات إيواء النازحين الذين فقدوا منازلهم بسبب الحرب.
أما بالنسبة للمرحلتين الثانية والثالثة من الاتفاق، فسيتم العمل على تنفيذ بنودها خلال المرحلة الأولى.
وأعلن رئيس الوزراء القطري أن الوسطاء المشتركين من الولايات المتحدة وقطر ومصر سيراقبون تنفيذ الاتفاق بدءًا من يوم الأحد، من خلال هيئة مقرها القاهرة.
وقال: "إن فريقًا مشتركًا من الدول الثلاث سيراقب تنفيذ الاتفاق، وكل شيء متفق عليه سيكون جاهزًا، إن شاء الله، في يوم التنفيذ".