اغتيال القادة مصدر إلهام وقوة ودفع

اغتيال القادة مصدر إلهام وقوة ودفع

بقلم: تيسير الغوطي

تيسير الغوطي

 يعتقد قادة الكيان الصهيوني ان اغتيال قادة المقاومة الفلسطينية سيرهب أبطال المقاومة ويفت في عضدهم ويدفعهم إلى التراجع عن الاستمرار والتقدم في طريق مقاومة الاحتلال الصهيوني، والقبول بهذا الاحتلال واملاءاته خاصة فيما يتعلق بقواعد الاشتباك التي تلعب موازين القوى دورا مهما في إرسائها على الأرض، لذا تراهم بين الفنية والأخرى يجددون تهديداتهم ويطلقون تصريحاتهم الإعلامية بأنهم سيتخذون قرارا باغتيال قادة المقاومة وآخرها ما ذكرته صحيفة هآرتس الصهيونية 12/8/2018 من أن الجيش الصهيوني يتجهز للعودة إلى سياسة الاغتيالات ضد قادة حركة حماس في قطاع غزة، وذلك بعد إعلان الجيش الصهيوني وجهاز الأمن العام (الشاباك) تفضيلها للعودة إلى سياسة الاغتيالات على عملية عسكرية واسعة في قطاع غزة ، والخشية من أن تقود إلى حرب.

 

قادة الكيان الصهيوني يصلون إلى مثل هذا الاعتقاد انطلاقا من رؤيتهم ورغبتهم في الحياة والحرص عليها ، وهم في هذا مخطئون ، لأنهم لا يدركون معنى الحياة والموت الذي تعتمر به قلوب أبناء المقاومة وقادتها، الذين يحبون الموت والشهادة في سبيل الله أكثر من حبهم للحياة، ويتمنون تلك الشهادة صباح مساء، وهم مخطئون أيضا لأنهم لم يستوعبوا التاريخ وامثلته الحية في هذا الأمر، فدوما كان استشهاد القائد مصدر الهام وقوة دفع لمن خلفه من محبيه للسير على طريقه في الاستشهاد والمقاومة، اقتناعا منهم وقناعة بان هذا هو الطريق الأسلم والأصح، ورغبة منهم في الثأر والانتقام لهذا القائد أو ذاك من المجرمين الذين اغتالوه، ليرغموهم على دفع ثمن القرار المجرم.

 

وتاريخنا القديم والحديث يزخر بالأمثلة على ذلك المفهوم والتصور، فمثلا كان استشهاد الحسين عليه السلام مصدر الهام لآلاف بل لملايين المسلمين للوقوف في وجه الظلم والطغيان والثورة ضد الظالمين، ولتقديم الواجب على قلة الإمكان، فدماء الشهادة والاستشهاد هي التي تضخ الحياة والصوابية في الرؤى والأفكار التي حملها القادة الشهداء، يقول الشهيد سيد قطب: «تبقى أفكارنا عرائس من شمع، حتى إذا ما استشهدنا في سبيلها دبت فيها الحياة».

 

ان اغتيال احد قادة المقاومة لن يربكها – وان كان يؤثر فيها- ويدفعها إلى التراجع، فشعارها دوما يخلف القائد ألف قائداً، بل سيمهد الطريق لظهور قادة جدد (وليس قائد)، ولان يصل إلى سدة القيادة ربما من هو أكثر راديكالية وتطرفا في موقفه من الكيان الصهيوني وطريقة التعامل معه، وما حدث للكيان الصهيوني في جنوب لبنان بعد اغتيال الشهيد عباس موسوي خير مثال على ذلك، فقد أدى ذلك الاستشهاد لصعود السيد حسن نصر الله لقيادة حزب الله ومقاومته للكيان الصهيوني وما تخللها من إبداعات وحسن إدارة أدت في النهاية إلى تلك الإنجازات المفخرة للمقاومة، والتي جعلت كثيراً من قادة الكيان الصهيوني ومفكريه يبدون الندم والأسف على إقدامهم لاغتيال عباس الموسوي, ونفس الكلام يقال عن اغتيال الدكتور فتحي الشقاقي, والذي هدف العد من وراء ذلك لإرهاب حركة الجهاد الإسلامي وإضعافها, فكانت النتيجة عكس ذلك إذ أضحت الحركة أكثر تمددا وقوة, وصدقت مقولة الدكتور الشقاقي: « إن حركة يستشهد أمينها العام لا يمكن أن تنكسر» .

 

وعلى نفس المنوال والسياق كان اغتيال الشهيد احمد الجعبري في العام 2012سببا لدخول الكيان في جولة من جولات حرب الاستنزاف استمرت عدة أيام ، ورغم أنها الحقت الأذى والضرر بالمقاومة وبأبناء قطاع غزة من الشعب الفلسطيني، إلا أنها الحقت الأذى أيضا بالكيان الصهيوني سواء الأذى المادي في الخسائر خاصة البشرية منها او الأذى المعنوي المتمثل في تآكل قوة الردع الصهيوني تجاه المقاومة الفلسطينية، إضافة إلى فقدان الأمان للصهيوني المغتصب، وفي إلحاق الأذى بالجبهة الداخلية للكيان الصهيوني وإشراكها في الحرب وأثارها، وهي التي يحرص الكيان الصهيوني دوما على ان تكون خارج نطاق أي حرب او جولة صراع وبعيدة عنها، وإضافة إلى ذلك ما ترتب على تلك الحرب (حرب 2012) من بيان الوجه الإجرامي القبيح للكيان الصهيوني على امتداد العالم، وقيام المظاهرات والمسيرات المنددة بجرائمه، ذلك الوجه الذي يحاول قادة الكيان الصهيوني تجميله وإخفاء قبحه وإجرامه عبر الآلة الإعلامية الضخمة التي يمتلكها أو يؤثر فيها عبر العالم.

 

وما يقال عن الاغتيال يمكن ان يقال عن سياسة الإبعاد التي يمارسها الكيان بحق قادة المقاومة، والتي يظن الكيان رادعة وفعالة لإجبار هذا القائد أو ذاك على التخلي عن نهج المقاومة اذا ما تم إبعاده، ولكن الذي حدث ويحدث دوما هو العكس تماما، وآخر النماذج على ذلك هو إبعاد الكيان للقائد صالح العاروري بعد الإفراج عنه من السجن، حيث ساهم هذا الإبعاد – إضافة لعوامل أخرى – لان يصل السيد صالح العاروري إلى ما وصل إليه من موقع وقوة وتأثير دفعت الكيان الصهيوني لأن يبدي ندمه على ذلك الإبعاد كما جاء في تقرير صحيفة إسرائيل اليوم 12/8/2018 نقلا عن مصدر امني كبير قوله: «الأكيد ان إسرائيل نادمة على إبعاد العاروري الى الخارج، لأنه كان من الأفضل ان يبقى داخل حدودها ، فسيكون من السهل وضع اليد عليه واعتقاله متى أرادت».

 

تهديدات الكيان الصهيوني بالعودة إلى الاغتيالات إنما تدل على حالة الإرباك والتخبط التي تعيشها قيادته, وفوق ذلك تأكيد القرآن الكريم لليهود بأنهم «قوم لا يعقلون» ، «قوم لا يفقهون» .

جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي وكالة كنعان الإخبارية.

اغتيال القادة مصدر إلهام وقوة ودفع

الخميس 16 / أغسطس / 2018

تيسير الغوطي

 يعتقد قادة الكيان الصهيوني ان اغتيال قادة المقاومة الفلسطينية سيرهب أبطال المقاومة ويفت في عضدهم ويدفعهم إلى التراجع عن الاستمرار والتقدم في طريق مقاومة الاحتلال الصهيوني، والقبول بهذا الاحتلال واملاءاته خاصة فيما يتعلق بقواعد الاشتباك التي تلعب موازين القوى دورا مهما في إرسائها على الأرض، لذا تراهم بين الفنية والأخرى يجددون تهديداتهم ويطلقون تصريحاتهم الإعلامية بأنهم سيتخذون قرارا باغتيال قادة المقاومة وآخرها ما ذكرته صحيفة هآرتس الصهيونية 12/8/2018 من أن الجيش الصهيوني يتجهز للعودة إلى سياسة الاغتيالات ضد قادة حركة حماس في قطاع غزة، وذلك بعد إعلان الجيش الصهيوني وجهاز الأمن العام (الشاباك) تفضيلها للعودة إلى سياسة الاغتيالات على عملية عسكرية واسعة في قطاع غزة ، والخشية من أن تقود إلى حرب.

 

قادة الكيان الصهيوني يصلون إلى مثل هذا الاعتقاد انطلاقا من رؤيتهم ورغبتهم في الحياة والحرص عليها ، وهم في هذا مخطئون ، لأنهم لا يدركون معنى الحياة والموت الذي تعتمر به قلوب أبناء المقاومة وقادتها، الذين يحبون الموت والشهادة في سبيل الله أكثر من حبهم للحياة، ويتمنون تلك الشهادة صباح مساء، وهم مخطئون أيضا لأنهم لم يستوعبوا التاريخ وامثلته الحية في هذا الأمر، فدوما كان استشهاد القائد مصدر الهام وقوة دفع لمن خلفه من محبيه للسير على طريقه في الاستشهاد والمقاومة، اقتناعا منهم وقناعة بان هذا هو الطريق الأسلم والأصح، ورغبة منهم في الثأر والانتقام لهذا القائد أو ذاك من المجرمين الذين اغتالوه، ليرغموهم على دفع ثمن القرار المجرم.

 

وتاريخنا القديم والحديث يزخر بالأمثلة على ذلك المفهوم والتصور، فمثلا كان استشهاد الحسين عليه السلام مصدر الهام لآلاف بل لملايين المسلمين للوقوف في وجه الظلم والطغيان والثورة ضد الظالمين، ولتقديم الواجب على قلة الإمكان، فدماء الشهادة والاستشهاد هي التي تضخ الحياة والصوابية في الرؤى والأفكار التي حملها القادة الشهداء، يقول الشهيد سيد قطب: «تبقى أفكارنا عرائس من شمع، حتى إذا ما استشهدنا في سبيلها دبت فيها الحياة».

 

ان اغتيال احد قادة المقاومة لن يربكها – وان كان يؤثر فيها- ويدفعها إلى التراجع، فشعارها دوما يخلف القائد ألف قائداً، بل سيمهد الطريق لظهور قادة جدد (وليس قائد)، ولان يصل إلى سدة القيادة ربما من هو أكثر راديكالية وتطرفا في موقفه من الكيان الصهيوني وطريقة التعامل معه، وما حدث للكيان الصهيوني في جنوب لبنان بعد اغتيال الشهيد عباس موسوي خير مثال على ذلك، فقد أدى ذلك الاستشهاد لصعود السيد حسن نصر الله لقيادة حزب الله ومقاومته للكيان الصهيوني وما تخللها من إبداعات وحسن إدارة أدت في النهاية إلى تلك الإنجازات المفخرة للمقاومة، والتي جعلت كثيراً من قادة الكيان الصهيوني ومفكريه يبدون الندم والأسف على إقدامهم لاغتيال عباس الموسوي, ونفس الكلام يقال عن اغتيال الدكتور فتحي الشقاقي, والذي هدف العد من وراء ذلك لإرهاب حركة الجهاد الإسلامي وإضعافها, فكانت النتيجة عكس ذلك إذ أضحت الحركة أكثر تمددا وقوة, وصدقت مقولة الدكتور الشقاقي: « إن حركة يستشهد أمينها العام لا يمكن أن تنكسر» .

 

وعلى نفس المنوال والسياق كان اغتيال الشهيد احمد الجعبري في العام 2012سببا لدخول الكيان في جولة من جولات حرب الاستنزاف استمرت عدة أيام ، ورغم أنها الحقت الأذى والضرر بالمقاومة وبأبناء قطاع غزة من الشعب الفلسطيني، إلا أنها الحقت الأذى أيضا بالكيان الصهيوني سواء الأذى المادي في الخسائر خاصة البشرية منها او الأذى المعنوي المتمثل في تآكل قوة الردع الصهيوني تجاه المقاومة الفلسطينية، إضافة إلى فقدان الأمان للصهيوني المغتصب، وفي إلحاق الأذى بالجبهة الداخلية للكيان الصهيوني وإشراكها في الحرب وأثارها، وهي التي يحرص الكيان الصهيوني دوما على ان تكون خارج نطاق أي حرب او جولة صراع وبعيدة عنها، وإضافة إلى ذلك ما ترتب على تلك الحرب (حرب 2012) من بيان الوجه الإجرامي القبيح للكيان الصهيوني على امتداد العالم، وقيام المظاهرات والمسيرات المنددة بجرائمه، ذلك الوجه الذي يحاول قادة الكيان الصهيوني تجميله وإخفاء قبحه وإجرامه عبر الآلة الإعلامية الضخمة التي يمتلكها أو يؤثر فيها عبر العالم.

 

وما يقال عن الاغتيال يمكن ان يقال عن سياسة الإبعاد التي يمارسها الكيان بحق قادة المقاومة، والتي يظن الكيان رادعة وفعالة لإجبار هذا القائد أو ذاك على التخلي عن نهج المقاومة اذا ما تم إبعاده، ولكن الذي حدث ويحدث دوما هو العكس تماما، وآخر النماذج على ذلك هو إبعاد الكيان للقائد صالح العاروري بعد الإفراج عنه من السجن، حيث ساهم هذا الإبعاد – إضافة لعوامل أخرى – لان يصل السيد صالح العاروري إلى ما وصل إليه من موقع وقوة وتأثير دفعت الكيان الصهيوني لأن يبدي ندمه على ذلك الإبعاد كما جاء في تقرير صحيفة إسرائيل اليوم 12/8/2018 نقلا عن مصدر امني كبير قوله: «الأكيد ان إسرائيل نادمة على إبعاد العاروري الى الخارج، لأنه كان من الأفضل ان يبقى داخل حدودها ، فسيكون من السهل وضع اليد عليه واعتقاله متى أرادت».

 

تهديدات الكيان الصهيوني بالعودة إلى الاغتيالات إنما تدل على حالة الإرباك والتخبط التي تعيشها قيادته, وفوق ذلك تأكيد القرآن الكريم لليهود بأنهم «قوم لا يعقلون» ، «قوم لا يفقهون» .